فجلس الملك وقال لها اكملى لنا حديثك الذي هو حديث التاجر والجني
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد أنه لما رأى بكاء العجل حن قلبه إليه وقال للراعي: ابق هذا العجل بين البهائم.
كل ذلك والجني يتعجب من حكاية ذلك الكلام العجيب ثم قال صاحب الغزالة: يا سيد ملوك الجان كل ذلك جرى وابنة عمي هذه الغزالة
تنظر وترى وتقول اذبح هذا العجل فإنه سمين
وفي ثاني يوم وأنا جالس وإذا بالراعي أقبل علي وقال: يا سيدي إني أقول شيئاً تسر به ولي البشارة.
فقلت: نعم فقال: أيها التاجر إن لي بنتاً كانت تعلمت السحر في صغرها من امرأة عجوز كانت عندنا، فلما كنا بالأمس وأعطيتني العجل
دخلت به عليها فنظرت إليه وغطت وجهها وبكت ثم إنها ضحكت
وقالت: يا أبي قد خس قدري عندك حتى تدخل علي الرجال الأجانب. فقلت لها: وأين الرجال الأجانب ولماذا بكيت وضحكت؟
فقالت لي أن هذا العجل الذي معك ابن سيدي التاجر ولكنه مسحور وسحرته زوجة أبيه هو وأمه فهذا سبب ضحكي وأما سبب بكائي فمن
أجل أمه حيث ذبحها أبوه فتعجبت من ذلك غاية العجب وما صدقت بطلوع الصباح حتى جئت إليك لأعلمك
فلما سمعت أيها الجني كلام هذا الراعي خرجت معه وأنا فرح مسرورر إلى أن أتيت إلى داره فرحبت بي ابنة الراعي وقبلت يدي ثم جاء
إلي العجل وتمرغ
فقلت لابنة الراعي: أحق ما تقولينه عن ذلك العجل؟ فقالت: نعم يا سيدي إنه ابنك وحشاشة كبدك
فقلت لها: أيها الصبية إن أنت خلصتيه فلك عندي ما تحت يد أبيك من المواشي والأموال فتبسمت وقالت: يا سيدي ليس لي رغبة في المال
إلا بشرط: أن أسر من سحرته وأحبسها وإلا فلست آمن مكرها فلما سمعت أيها الجني كلام بنت الراعي
قلت: ولك فوق جميع ما تحت يد أبيك من الأموال زيادة وأما بنت عمي فدمها لك مباح.
فلما سمعت كلامي أخذت طاسة وملأتها ماء ثم أنها عزمت عليها ورشت بها العجل وقالت: عد إلى خلقتك الأولى بإذن الله تعالى وإذا به
انتفض ثم صار إنساناً
فوقعت عليه وقلت له:يا ولدي قد قيض الله لك من خلصك وخلص حقك
ثم إني أيها الجني زوجته ابنة الراعي و سحرت ابنة عمي هذه الغزالة وجئت إلى هنا فرأيت هؤلاء الجماعة فسألتهم عن حالهم فأخبروني بما
جرى لهذا التاجر فجلست لأنظر ما يكون وهذا حديثي فقال الجني: هذا حديث عجيب وقد وهبت لك ثلث دمه
فعند ذلك تقدم الشيخ صاحب الكلبتين السلاقيتين وقال له: اعلم يا سيد ملوك الجان أن هاتين الكلبتين أخوتي وأنا ثالثهم ومات والدي وخلف لنا
ثلاثة آلاف دينار ففتحت دكاناً أبيع فيه وأشتري وسافر أخي بتجارته وغاب عنا مدة سنة مع القوافل ثم أتى وما معه شيء فقلت له: يا أخي
أما أشرت عليك بعدم السفر؟ فبكى وقال: يا أخي قدر الله عز وجل علي بهذا ولم يبق لهذا الكلام فائدة ولست أملك شيئاً فأخذته وطلعت به
إلى الدكان وألبسته حلة من الملابس الفاخرة وأكلت وقلت له: يا أخي إني أحسب ربح دكاني من السنة إلى السنة ثم أقسمه دون رأس المال
بيني وبينك وحسبت ما يجنى الدكان فوجدته ألفي دينار فحمدت الله عز وجل وفرحت غاية الفرح وقسمت الربح بيني وبينه شطرين وأقمنا مع
بعضنا أياماً ثم طلب منى هو واخوه الاخر ان اسافر
فلم أرض وقلت لهم: أي شيء كسبتم من سفركم حتى أكسب أنا؟ فألحوا علي ولم أطعهم بل أقمنا في دكاكيننا نبيع ونشتري سنة كاملة وهم
يعرضون علي السفر وأنا لم أرض حتى مضت ست سنوات كوامل.
ثم وافقتهم على السفر وحسبنا ما معنا من مال فإذا هو ستة آلاف دينار فقلت: ندفن نصفها تحت الأرض لينفعا إذا أصابنا أمر ويأخذ كل
واحد منا ألف دينار ونتسبب فيها قالوا: نعم الرأي فأخذت المال وقسمته نصفين ودفنت ثلاثة آلاف دينار. وأما الثلاثة آلاف الأخرى
فأعطيت كل واحد منهم ألف دينار وجهزنا بضائع واشترينا مركباً ونقلنا فيها حوائجنا وسافرنا مدة شهر إلى أن دخلنا مدينة وبعنا بضائعنا
فربحنا في الدينار عشرة دنانير ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع فقبلت يدي
وقالت: يا سيدي هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازيني فقالت: يا سيدي
تزوجني وخذني إلى بلادك فإني قد وهبتك نفسي فافعل معي معروفاً لأني من يصنع معه المعروف ، ويجازي عليه ولا يغرنك حالي. فلما
سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله عز وجل، فأخذتها وكسوتها وفرشت لها في المركب فرشاً حسناً وأكرمتها ثم سافرنا وقد أحبها
قلبي محبة عظيمة وصرت لا أفارقها ليلاً ولا نهاراً أو اشتغلت بها عن إخوتي، فغاروا مني وحسدوني على مالي وكثرة بضاعتي وطمحت
عيونهم في المال جميعه،
وتحدثوا بقتلي وأخذ مالي وقالوا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا، وزين لهم الشيطان أعمالهم فجاؤوني وأنا نائم بجانب زوجتي ورموني
في البحر فلما استيقظت زوجتي انتفضت وتحولت ونزلت الماء وأطلعتني على جزيرة وغابت عني قليلاً وعادت إلي عند الصباح
وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجيتك من القتل بإذن الله تعالى،
واعلم أني جنية رأيتك فحبك قلبي لما وجدت منك من معروف واحسان وأنا مؤمنة فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوجت بي وها أنا قد
نجيتك من الغرق
، وقد غضبت على إخوتك ولا بد أن أقتلهم. فلما سمعت حكايتها تعجبت وشكرتها على فعلها وقلت لها أما هلاك إخوتي فلا ينبغي قالت: أنا
في هذه الليلة أطير إليهم وأغرق مراكبهم وأهلكهم، فقلت لها: بالله لا تفعلي فإن صاحب المثل يقول: يا محسناً لمن أساء كفي المسيء فعله
وهم إخوتي على كل حال،واستعطفتها بالا تمسهم فحملتني وطارت،ووضعتني على سطح داري ففتحت الأبواب وأخرجت الذي خبأته تحت
الأرض وفتحت دكاني وبيعت تجارتى واشتريت ولما كان الليل، دخلت داري فوجدت هاتين الكلبتين مربوطتين فيها، فلما رأياني قاما إلي
وبكيا وتعلقا بي، ووجدت زوجتى جالسة وتقول لى هؤلاء إخوتك فقلت من فعل بهم هذا الفعل قالت أنا فعلت بهم ذلك وما يتخلصون إلا بعد
عشر سنوات، فجئت وأنا سائر إليها تخلصهم بعد إقامتهم عشر سنوات، في هذا الحال،
فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له فأردت أن لا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه وهذه قصتي.
قال الجني: إنها حكاية عجيبة وقد وهبت لك ثلث دمه في جنايته
وعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة، وقال للجني أنا أحكي لك حكايتى ، وتهب لي باقي دمه وجنايته، فقال الجني نعم
فقال الشيخ أيها السلطان ورئيس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي سافرت وغبت عنها سنة كاملة، ثم قضيت سفري وجئت إليها في الليل
فرأيت عبد أسود راقد معها في الفراش وهما في كلام وضحك وتقبيل وهراش فلما رأتني عجلت الى بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني،
وقالت اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب فصرت في الحال كلباً فطردتني من البيت فخرجت من الباب ولم أزل سائراً، حتى وصلت
دكان جزار فتقدمت وصرت آكل من العظام فلما رآني صاحب الدكان أخذني الى ابنته لتلعب بى حتى جاء يوم زارتها عمتها وكانت عرافة
فعندما رأتنى قالت لابنة اخيها اتركى ذلك الكلب من يدكى وتوارى عنته فأنه رجل غريب فاذا بالجزار يقول: وكيف ذلك
فقالت إن هذا الكلب سحرته امرأة فذهبوا عنى حتى اخلصه مما فيه فأخذت كوزاً فيه ماء وتكلمت بكلمات تشبه ما نطقته زوجتى الملعونة
ورشت علي منه قليلاً وقالت: اخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى، فصرت إلى صورتي الأولى
فقبلت يدها وقلت لها: أريد أن تسحري زوجتي كما سحرتني فأعطتني قليلاً من الماء، وقالت إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها
تصير كما أنت طالب فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء، وقلت اخرجي إلى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها
بعينك أيها السلطان وملك الجان
فالتفت اليها الجنى وقال: أصحيح هذا فهزت رأسها بالتصديق فاهتز الجني وقال له وهبت لك باقي دمه وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت: أين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك فقال
الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها
فباتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح، فخرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر وواحتكم الديوان فحكم الملك وولى وعزل
ونهى وأمر إلى آخر النهار ودخل الملك شهريار إلى قصره.
يتبع