دخل شهريار قصره ولما اقبل الليل جلس ثلاثتهم يتنادمون وقالت دنيازاد اكملى لنا حديثك بالامس من العفريت وحسن بدر الدين
فقالت حبا وكرامة لاجل مولاى الملك واكملت حديثها قائلة : بلغنى ايها الملك السعيد ذو الراى الرشيد
انه لما وجد نفسه فى مكان غير مقبرة والده اراد ان يصيح فغمزه العفريت وزمجر وقال له انا الذى جئت بك الى هنا
واريد ان اعمل لك معروفا فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ما شيا معهم حتى تصل
إلى قاعة العروسة فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحدا وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك
المواشط والمغنيات والمنقشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول
الله وقوته. فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام، قال يا هل ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان
ثم مشى وأوقد الشمعة، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك
الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الفرناجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشيا في الزينة، وكلما وقفت المغنيات
يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول
المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردت الحجاب الناس
ومنعوهم. فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة
إلا وهو حاضر، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء
والوزراء والحجاب صفين فلما نظر النساء حسن بدر الدين ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه. فقالت
المغنيات للنساء الحاضرات، اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول فقلن هنيئا لمن كان هذا الشاب ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن، وقد طيبنها
وعطرنها وألبسنها من لباس الملوك الأكاسرة وكان حسن بدر الدين البصري جالسا والناس ينظرون إليه. فحضرت
العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت امام حسن إبن عمها
فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب، ورمى في طار المغنيات ففرحوا
وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم واغتاظ السائس لذلك وصارت المواشط تجلي العروسة فلما افرغوا
من ذلك أذنوا بالإنصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس
الأحدب، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى
حسن بدر الدين، وقال له يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تذهب الى بيتك غير مطرود، فقال بسم
الله ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت. فقال له قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت للراحة، فادخل أنت
واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين
وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد، فبينما بدر الدين يتحدث مع
العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع لله العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر
وتكلم بكلام إبن آدم وقال: ويلك يا أحدب يا أنتن السياس فارتجفت قدماه وتشبكت اسنانه فقال له العفريت: هل ضاقت
عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي فسكت السائس
فقال له: رد الجواب وإلا اسكنتك التراب فقال له: والله مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقا من الفئران
ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك
فقال له العفريت: اقسم بالله إن خرجت في هذا الوقت، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا
طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا
وأما بدر الدين البصري فإنه دخل البيت وجلس داخل المخدع، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز. فوقفت العجوز في
باب المخدع وقالت يا أبا شهاب قم وخذ عروسك، وقد استودعتك الله ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع،
وكان قلبها مكسور وقالت في قلبها والله لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي، فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر
الدين، فقالت: يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت جالس لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في، فقال
حسن بدر الدين: وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك
فقالت: ومن زوجي أأنت أم هو؟
قال حسن بدر الدين: يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه. فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك
حسنك البديع خافوا علينا من العين فأشتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد ولى وذهب فلما سمعت من
بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكا لطيفا وباتوا ليتهم متعانقين
وأما العفريت فإنه قال للعفريتة قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب فعند
ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحته وهو نائم وطارت به وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن الله الملائكة
أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم
تتجاوزه به خوفا عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت.
فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فظروا شابا بالقميص بلاعمامة ولا لباس وهو مما قاسى من السهر
غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله
فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقا فنام ههنا وقد خاض الناس
فيه بالكلام وإذا بالهوى هب على بدر الدين فانتبه فوجد نفسه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال أين أنا يا جماعة
الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم. فقالوا نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائما ولا
نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائما هذه الليلة فقال والله إني كنت نائما هذه الليلة في مصر فقال احدهم أأنت مجنون
كيف تكون في مصر وتصبح نائما في مدينة دمشق فقال لهم لما أكذب عليكم وقد كنت بالليل في مصر وقبل البارحة
كنت بالبصرة فقال واحد هذا شيء عجيب وقال الآخر هذا شاب مجنون وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع
بعضهم وقالوا يا خسارة شبابه والله ما في جنونه خلاف ثم إنهم قالوا له إرجع لعقلك
فقال حسن بدر الدين كنت البارحة عريسا في ديار مصر فقالوا لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام فتحير حسن
في نفسه وقال لهم والله ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعدا عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين
ثيابي ولباسي، ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان
ذلك الطباخ رجلا متجبر يقتات بالافتراء لى الناس فتاب الله عليه من ذلك وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم
يخافون منه بسبب شدة بأسه، فلما نظر الطباخ إلى حسن فستوقفه و قال: من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك وان
كنت تستهزء فذلك أشر يوم طلع عليك
فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى. فقال له الطباخ ان هذا لامر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما
معك حتى يفرج الله ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي فقال له بدر الدين الأمر كما بريد يا
عم
فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على
نفسه أنه ولده، وقد اشتهر حسن بدر الدين بأنه ولد الطباخ
وأما ما كان من أمر ست الحسن ابنه عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدا عندها
فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان
وكيف غصبه وزوج ابنته غصبا لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا
الخبيث من نفسها، فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه
وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح
فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس.
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا الله، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا
السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر إن زوجي والله ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه
فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أي هذا الكلام
الذي تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: بالله عليك لا تذكره لي قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره
فما كان السايس إلا مكتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وذهب وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما
جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت معه ليلتى
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه؟
أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة فقام
والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى اعلى
فبهت الوزير وقال: اما انت الاحدب فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت.
فصرخ عليه الوزير وقال له تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف
عند ذلك قال الأحدب والله يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي،
فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت، فقال ليس عمري في يدك ولا تقدر أن
تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الفئران والعفاريت
فلعن الله من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك
فقال له الوزير قم واخرج من هذا المكان فقال له هل أنا مجنون حتى أذهب معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا
طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس
فعند ذلك قال له الوزير من أتى بك إلى هذا المكان فقال إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا
بفأر طلع من وسط الماء وصاح وقال لي كلاماً عن العروسة ومن زوجني بها
فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما
اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته
فقال يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك فقالت أن الشاب الكريم ذا الحسن هو من بت معه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته
بلفتها على الكرسي ولباسه تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو
فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال
هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية
ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ اللباس فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة
فقرأها فوجه مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة
صرخ صرخة قوية وقال لا إله إلا الله القادر على كل شيء
وقال: يا ابنتى هل تعرفين من الذي أخذ وجهك قالت لا
قال إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان الله كيف اتفقت هذه القضية
ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين
وهنا ادركت شهرزاد الصباح فسمتت عن الكلام المباح