جلست شهرزاد لتكمل حديثها عما حدث لعلى نور الدين ابن الوزير وجاريته انيس الجليس وقد قالت: بلغني أيها الملك
السعيد ذو الراى الرشيد
أن الريس لما قال لعلي نور الدين إلى دار السلام مدينة بغداد نزل علي
نور الدين ونزلت معها لجارية ونشروا القلوع
فساع بهم المركب وطاب لهم
الريح. هذا ما جرى لهؤلاء وأما ما جرى للأربعين الذين أرسلهم السلطان
فإنهم جاؤوا إلى
بيت علي نور الدين
فكسروا الأبواب ودخلوا وطافوا جميع الأماكن فلم يقفوا لهما على خبر
فهدموا الدار ورجعوا وأعلموا السلطان فقال:
اطلبوهما في أي مكان كانا فيه
فقالوا: السمع والطاعة
ثم نزل الوزير معين بن ساوي إلى بيته بعد أن خلع عليه السلطان خلعة
وقال: لا يأخذ بثأرك إلا أنا فدعا له بطول البقاء
واطمأن قلبه ثم إن
السلطان أمر أن ينادى في المدينة يا معاشر الناس كافة: قد أمر السلطان أن
من عثر بعلي نور
الدين بن خاقان وجاء به إلى السلطان خلع عليه خلعة وأعطاه
ألف دينار ومن أخفاه أو عرف مكانه ولم يخبر به فإنه
يستحق ما يجري عليه من
النكال
فصار جميع الناس في التفتيش على علي نور الدين فلم يجدوا له أثر. هذا ما كان من هؤلاء.
وأما ما كان من أمر علي نور الدين وجاريته فإنهما وصلا بالسلامة إلى
بغداد فقال الريس: هذه بغداد وهي مدينة أمينة
قد ولى عنها الشتاء ببرده
وأقبل عليها فصل الربيع بورده وأزهرت أشجارها وجرت أنهارها، فعند ذلك خرج
علي نور
الدين هو وجاريته من المركب وأعطى الريس خمسة دنانير ثم سارا
قليلاً فرمتهما المقادير بين البساتين فجاءا إلى
مكانين فوجداه ً مرشوشاً
بمصاطب مستطيلة وقواديس معلقة ملآنة ماء وفوقه مكعب من القصب بطول الزقاق
وفي صدر
الزقاق باب بستان إلا أنه مغلق
فقال علي نور الدين للجارية: والله إن هذا محل مليح فقالت: يا سيدي
اجلس بنا ساعة على هذه المصاطب فصعدا وجلسا
على المصاطب واخذهم سنة من
النوم من شة التعب والاجهاد وكان هذا البستان لاحد قصور الخليفة هارون
الرشيد وكان
الخليفة إذا ضاق صدره يأتي إلى البستان ويدخل ذلك القصر
فيجلس فيه فإذا دخله الخليفة أمر الجواري أن تفتح الشبابيك وأمر
إسحق النديم والجواري أن يغنوا ما يشرح صدره
ويزول همه، وكان للبستان شيخ
كبير يقال له الشيخ إبراهيم
وتوافق أنه خرج ليقضي حاجة من أشغاله فوجد المتفرجين معهم النساء
وأهل الريبة فغضب غضباً شديداً فصبر الشيخ
حتى جاء عنده الخليفة في بعض
الأيام فأعلمه بذلك فقال الخليفة: كل من وجدته على باب البستان افعل به ما
أردت. فلما
كان ذلك اليوم خرج الشيخ إبراهيم الخولي لقضاء حاجة عرضت له
فوجد الاثنين نائمين في البستان مغطيين بإزار
واحد فقال: أما عرفا أن
الخليفة أعطاني إذناً أن كل من لقيته قتلته ولكن هذين ضرباً خفيفاً حتى لا
يقترب أحد من
البستان ثم قطع جريدة خضراء وخرج إليهما ورفع يده وأراد
ضربهما فتفكر في نفسه وقال: يا إبراهيم كيف تضربهما
ولم تعرف حالهما وقد
يكونان غريبان أو من أبناء السبيل ورمتهما المقادير هنا.
سأكشف عن وجهيهما وأنظر إليهما، فرفع الإزار عن وجهيهما وقال: هذان حسنان لا ينبغي أن أضربهما
ثم غطى وجهيهما وتقدم الى علي وغمزه ففتح عينيه فوجده شيخاً كبيراً
فاستحى علي نور الدين واستوى قاعداً وأخذ
يد الشيخ فقبلها فقال له: يا
ولدي من اين أنتم؟ فقال له: يا سيدي نحن غرباء وفرت الدمعة من عينيه
فقال الشيخ إبراهيم: يا ولدي اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى
إكرام الغريبن، ثم قال له: ياولدي أما نهض
وتدخل البستان وتتفرج فيه
فينشرح صدرك؟ فقال له نور الدين: يا سيدي هذا البستان من يخص؟ فقال: يا
ولدي هذا
ورثته من أهلي وما كان قصد الشيخ إبراهيم بهذا الكلام إلا أن
يطمئنهما ليدخلا البستان
فلما سمع نور الدين كلامه شكره وقام هو وجاريته والشيخ إبراهيم
امامهم فدخلوا البستان فإذا هو بستان فدخلوا تحت
عريشة فوجدوا فيها
الأثمار صنوان والأطيار تغرد بالألحان على الأغصان
ثم دخل بهما الشيخ إبراهيم القاعة المغلقة، فابتهجوا بحسن تلك القاعة وما فيها من اللطائف الغريبة
وجلسوا بجانب بعض الشبابيك فتذكر علي نور الدين المقاساة التي مضت له
فقال: والله إن هذا المكان في غاية الحسن،
لقد ذكرني بما مضى وأطفأ من
كربي جمر الغضى ثم قدم الشيخ لهما الأكل فأكلا كفايتهما ثم غسلا ايديهما
وجلس علي
نور الدين في شباك من تلك الشبابيك
وصاح على جاريته فأتت إليه فصارا ينظران إلى الأشجار وقد حملت سائر
الأثمار ثم التفت علي نور الدين إلى الشيخ
إبراهيم وقال له: يا شيخ
إبراهيم أما عندك شيء من الشراب
فجاءه الشيخ إبراهيم بماء حلو بارد فقال له نور الدين ما هذا الشراب
الذي سقيتنى اياه ؟ فقال له: أتريد خمراً ام ماذا يا
فتى ؟ فقال له نور
الدين: نعم
فقال: أعوذ بالله منها إن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلت ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن شاربه وعاصره وحامله
وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
فلما اصبح الصباح واستيقظ الملك خرج من قصره فاتبك الديوان
فولى وعزل ونهى وامر ولما اقبل الليل دخل القصر
ولكم التحية
يتبع